اختيارات المحررين

السياسة الجنائية في مواجهة الألعاب النارية

اقرأ في هذا المقال
  • مقدمة: تشريعات صارمة
  • الإطار التشريعي المصري: قرار وزير الداخلية وقانون المتفجرات*
  • خصائص التجريم في المادة
  • السياسة الجنائية المقارنة: فرنسا وبريطانيا نموذجًا
  • توصيات لتطبيق السياسة الجنائية الفعَّال

السياسة الجنائية في مواجهة الألعاب النارية.

مقدمة: تشريعات صارمة.. لمواجهة خطر متفجر
باتت الألعاب النارية سلاحًا مُزدوجَ الأثر: تُزهق الأرواحَ تحت مسمى الاحتفال، وتُشوِّه جمالَ الأمن المجتمعي بانفجاراتٍ عشوائيةٍ. وفي ظل تصاعد هذه الظاهرة، برزت الحاجة إلى *نصوص قانونية حاسمة* تجمع بين الرادع الجنائي والوقاية المجتمعية، وهو ما تجسد في *قانون العقوبات المصري* وقرارات وزارة الداخلية، التي صنَّفت الألعاب النارية ضمن المتفجرات الخاضعة لأشد العقوبات.

1- الإطار التشريعي المصري: قرار وزير الداخلية وقانون المتفجرات
أولًا: قانون العقوبات المصري (المادة 102 أ)
تنص المادة 102 (أ) من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 على:
>يعاقب بالسجن المؤبد كل من أحرز أو حاز أو استورد أو صنع مفرقعات أو مواد متفجرة أو ما في حكمها دون ترخيص، وتكون العقوبة الإعدام إذا وُجِّهت هذه الأفعال لتحقيق غرض إرهابي.”

خصائص التجريم في المادة 102 (أ):
1. الجريمة الشكلية:
– تتحقق بمجرد *الحيازة المادية* للمتفجرات دون ترخيص، دون حاجة لاستخدامها أو إثبات ضرر.
– تُعاقب على *الخطر المُجرَّد*، باعتبار أن مجرد الاحتفاظ بها يُهدد الأمن العام.

2. التشديد في حالة الإرهاب:
– تتحول العقوبة إلى *الإعدام* إذا ارتبطت الحيازة بنية إرهابية، حتى لو لم تُستخدم المتفجرات.

3. شمولية النص:
– يشمل التجريم كل أشكال *الحيازة، التصنيع، الاستيراد*، مما يغلق الثغرات القانونية.

 ثانيًا: قرار وزير الداخلية رقم 1872 لسنة 2004
أصدر وزير الداخلية المصرية قرارًا يُلحق الألعاب النارية بالمفرقعات والمواد المتفجرة، وينص على:
> “تُدرج الألعاب النارية –ومنها ما يحتوي على البارود الأسود– ضمن المواد المتفجرة الخاضعة لأحكام المادة 102 (أ) من قانون العقوبات. ويُعاقب كل من يحرزها أو يصنعها أو يتاجر بها دون ترخيص بالسجن المؤبد أو المشدد.”

 أهمية القرار:
1. التصنيف القانوني الدقيق:
– وضع الألعاب النارية في نفس الإطار القانوني للمواد الإرهابية، كالقنابل اليدوية.
2. الرقابة على التصنيع:
– حظر تصنيعها إلا بتراخيص أمنية مشددة، مع مراقبة الورش والمصانع.
3. تجريم التداول التجاري:
– شمل العقوبة ليس فقط الحائزين، بل أيضًا البائعين والمهربين.

2- السياسة الجنائية المقارنة: فرنسا وبريطانيا نموذجًا
أولًا: فرنسا
– القانون الجنائي الفرنسي (المادة L.235-1):
يُجرم حيازة الألعاب النارية دون ترخيص، ويعاقب بالسجن 3 سنوات وغرامة 45 ألف يورو.
– السياسة الوقائية:
تُمنح التراخيص فقط للعروض العامة المُعلن عنها، وتُراقب من قِبل الشرطة البلدية.

 ثانيًا: بريطانيا
– قانون الألعاب النارية 2003:
يُحظر استخدامها في الأماكن العامة بعد منتصف الليل، مع غرامات تصل إلى *5 آلاف جنيه إسترليني*.
– التشديد على بائعي التجزئة:
يُشترط تسجيل بيانات المشترين، وتخزين المنتجات في مخازن مُرخصة.

3- توصيات لتطبيق السياسة الجنائية الفعَّالة
أولًا: تفعيل التشريع المحلي
1. تطبيق المادة 102 (أ) بحذافيرها:
– معاملة الألعاب النارية كـ*جريمة إرهابية* إذا استُخدمت لإثارة الذعر، وليس مجرد مخالفة.
2. تشكيل نيابات متخصصة:
– نيابات لأمن الدولة للتحقيق في قضايا حيازة المتفجرات، مع تسريع الإجراءات.

ثانيًا: تعزيز الرقابة الأمنية
1. منع التهريب عبر المنافذ:
– استخدام أجهزة الكشف عن المتفجرات في المطارات والموانئ، على غرار النموذج الأمريكي.
2. إغلاق المصانع غير المرخصة:
– تطبيق قرار وزير الداخلية رقم 1872 بإغلاق فوري لأي منشأة تُخالف.

 ثالثًا: التوعية المجتمعية
1. حملات صادمة في المدارس:
– عرض فيديوهات واقعية عن ضحايا الألعاب النارية، كتجربة *”مشروع الواقع المرير”* في ألمانيا.
2. شراكة مع الأئمة والكنائس:
– تخصيص خطب دينية تحذر من استخدام الألعاب النارية في الاحتفالات.

 خاتمة: التشريع سيفٌ.. والإرادة درعٌ
إن المواجهة الفعَّالة لحيازة الألعاب النارية لا تحتاج إلى نصوص قانونية فحسب، بل إلى *إرادة سياسية* تُحوِّل هذه النصوص إلى واقع ملموس. فكما نجحت فرنسا في تقليص حوادث الألعاب النارية بنسبة 70% بعد تشديد عقوبة الحيازة، وكما حوَّل القانون البريطاني الشوارع إلى أماكن آمنة ليلًا، يمكن لمصر –باستخدام أدواتها التشريعية– أن تُحاصر هذه الظاهرة من جذورها.

 الخطوات العاجلة:
1. *تفعيل المادة 102 (أ) وقرار 1872* كأساس للنيابة العامة في تحريك الدعاوى.
2. *إنشاء سجل وطني* لتراخيص حيازة الألعاب النارية، مع نشر أسماء المخالفين.
3. *التنسيق مع الإنتربول* لضرب شبكات التهريب الدولية.

الألعاب النارية ليست لعبةً.. بل جريمةٌ تُسقط الضحايا قبل أن تسقط شراراتها!

دكتور . يوسف الديب

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لاستكمال رحلتك في محتوانا لابد من إيقاف حاجب الإعلانات