اختيارات المحررين

الطب الذكى : المسؤولية الجنائية والمدنية

الطب الذكى : المسؤولية الجنائية والمدنية

أصبح العالم يشهد تطورًا كبيرًا في مختلف المجالات، وبالأخص في القطاع الصحي. ومن بين أبرز التوجهات الحديثة في الطب هو ما يُسمى بـ “الطب الذكي” أو “الطب الرقمي” الذي يعتمد على تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي لتحسين الرعاية الصحية وجودتها. لكن قبل الخوض في تحليل هذا المصطلح من جوانب تقنية وطبية، لا بد من التفحص اللغوي الدقيق لهذا المصطلح في اللغات المختلفة التي يتداول بها.

أولًا: التعريف اللغوي للطب الذكي:

بدايةً، لابد من فحص مصطلح “الطب الذكي” من الناحية اللغوية العربية. وفقًا للمعاجم العربية التقليدية، نلاحظ أن كلمة “الطب” في معجم لسان العرب تشير إلى علم العلاج والتداوي. وتُعرَفُ الكلمة بـ “الطب” على أنه العلم الذي يُعنى بفهم الأمراض وسبل معالجتها باستخدام أدوات وتقنيات علمية. أما كلمة “ذكي” فتعني في اللغة العربية “الذي يمتلك قدرة عالية على الفهم أو التفكير” أو “الذي يستخدم آليات مبتكرة ومتفوقة في معالجة الأمور”. بناءً على ذلك، يمكن تعريف “الطب الذكي” في اللغة العربية على أنه “العلاج الطبي الذي يعتمد على استخدام التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في تحسين الأداء الطبي وجودة التشخيص والعلاج”.
كما يمكننا تحديد معناه اللغوي وفقًا لمعاجم مثل المعجم الوسيط، الذي أشار إلى أن كلمة “الذكاء” تعني “الفطنة” و”القدرة على التحليل” مما يوضح الدور الفعال الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في تحسين الأداء الطبي.
في اللغة الفرنسية، يُعرف مصطلح “الطب الذكي” بـ “médecine intelligente” أو “médecine numérique”. وبحسب  (Le Petit Robert )الديوان المعتمد للغة الفرنسية، تُعرَف كلمة “médecine” بأنها علم علاج الأمراض ورعايتها باستخدام الوسائل الطبيعية والتقنيات المتاحة. أما مصطلح “intelligente” فيُشير إلى “القدرة على معالجة المعلومات واستخدام تقنيات متقدمة في اتخاذ القرارات”. بناءً على هذا التعريف، يمكننا القول بأن “الميديسين إنتليجانتي” (الطب الذكي) في الفرنسية هو “العلاج الطبي الذي يعتمد على استخدام التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في تحسين القدرة على التشخيص والعلاج”.
الطب الذكي في الفرنسية، كما يظهر في كتب مثل Le Grand Dictionnaire Encyclopédique, يعني “استخدام التكنولوجيا المتطورة لتحسين الجوانب الطبية من خلال المعالجة الذكية للمعلومات”.
أما في اللغة الإنجليزية، فيُعرَف مصطلح “الطب الذكي” بـ “Smart Medicine” أو “Digital Medicine”. بناءً على معجم Oxford English Dictionary، نجد أن كلمة “medicine” تشير إلى “العلاج أو ممارسات الوقاية أو تشخيص الأمراض باستخدام الأدوات والوسائل الطبية”. بينما يُستخدم مصطلح “smart” في هذا السياق للإشارة إلى “استخدام التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي لتحسين القدرة على تقديم العلاج”. إذًا، يُطلق على الطب الذكي في الإنجليزية “Smart Medicine” أو “Digital Medicine”، ليُشير إلى تطبيق التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في تحسين العناية الصحية ورفع مستوى التشخيص والعلاج.

ثانيًا: التعريف التشريعي والقانوني للطب الذكي:

الطب الذكي، أو الطب الرقمي، هو المجال الذي يستفيد من التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، وتحليل البيانات الكبيرة (Big Data)، وإنترنت الأشياء (IoT)، لتطوير وتحسين الرعاية الصحية. منذ بداية استخدام هذه التكنولوجيا في المجال الطبي، كانت هناك محاولات لتنظيم هذا المجال ضمن تشريعات وقوانين محلية ودولية. ورغم أهمية هذه التشريعات، إلا أن تعريف الطب الذكي من خلال النصوص القانونية لا يزال يشهد بعض التباين، مما يستدعي تحليل هذه التعريفات من خلال قوانين دول مختلفة لتحديد مدى فاعليتها وتقديم تعريف شامل لهذه الظاهرة.
1- التشريع المصري للطب الذكي في مصر، يعتبر القانون رقم 153 لسنة 2004 بشأن تنظيم شئون المستشفيات الخاصة، أحد التشريعات التي يمكن من خلالها النظر إلى استخدام التقنيات الحديثة في الطب، لكن لم يتضمن هذا التشريع تعريفًا صريحًا للطب الذكي. وعلى الرغم من استخدام تقنيات طبية متقدمة في بعض المستشفيات المصرية، إلا أن مصر لم تصدر بعد قانونًا واضحًا ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب أو “الطب الذكي”. ومع ذلك، قد يشير قانون تنظيم البحوث الطبية في بعض نصوصه إلى “استخدام التقنيات الحديثة في البحث الطبي” إلا أن هذه النصوص تتناول تطبيقات تكنولوجية لا تصل إلى مفهوم الطب الذكي في تكامله.
النقد والتحليل: الافتقار إلى تشريع واضح يعرّف الطب الذكي في مصر يشكل ثغرة قانونية. فبينما تتزايد التقنيات الطبية المتطورة في البلاد، لا تزال هناك حاجة ملحة لوضع إطار قانوني شامل ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب ويحدد حقوق المرضى وواجبات الأطباء.
تعريف مقترح في التشريع المصري: “الطب الذكي هو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، التحليل البياني الكبير، وإنترنت الأشياء، في تقديم الرعاية الصحية والتشخيص والعلاج، بهدف تحسين فعالية العلاج ورفع جودة الحياة للمرضى مع احترام معايير أخلاقيات الطب وحماية حقوق المرضى”.
2- التشريع الفرنسي للطب الذكي في فرنسا، كان استخدام التكنولوجيا الطبية جزءًا من التشريعات الصحية الفرنسية عبر قوانين مثل قانون الصحة العامة 2016 (Loi de la santé publique) الذي تناول استخدام التقنيات الحديثة في الصحة، لكن لم يتضمن هذا القانون تعريفًا صريحًا للطب الذكي. ومن ناحية أخرى، منحت الهيئة الوطنية للذكاء الاصطناعي (CNAI) أهمية خاصة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الطب، وأوصت بضرورة تنظيم هذا المجال لمواكبة التقدم التكنولوجي، حيث يتم تطبيق الذكاء الاصطناعي في أبحاث الجينات، التشخيص الطبي، والطب الوقائي.
النقد والتحليل: رغم وجود إشارات تنظيمية للتقنيات الطبية الذكية في فرنسا، إلا أن التشريعات الفرنسية لا تقدم تعريفًا دقيقًا للطب الذكي. يُظهر هذا الفراغ التشريعي الحاجة إلى وضع إطار قانوني شامل يمكن أن يدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب الطب، من الرعاية الصحية إلى الأبحاث. كما يجب أن يضمن هذا الإطار تنظيم حقوق المرضى في ظل استخدام هذه التقنيات، لا سيما ما يتعلق بالخصوصية وحماية البيانات الطبية.
3- التشريعات في بعض الدول الأنجلو-أمريكية الولايات المتحدة الأمريكية: في الولايات المتحدة، يتأثر التشريع في مجال الطب الذكي بالقوانين الخاصة مثل قانون حماية الخصوصية الصحية (HIPAA) الذي يضمن حماية بيانات المرضى في العصر الرقمي. كما ينظم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بعض الأجهزة الطبية الذكية والبرمجيات الطبية القائمة على الذكاء الاصطناعي، إلا أنه لم يتم تعريف “الطب الذكي” بشكل صريح في التشريع الأمريكي.
النقد والتحليل: لا توفر التشريعات الأمريكية تعريفًا دقيقًا للطب الذكي، رغم وجود تنظيمات جزئية ترتبط بحماية البيانات واستخدام تقنيات الرعاية الصحية الذكية. ويمكن ملاحظة أن التشريعات الأمريكية بحاجة إلى تعريف موحد وشامل للطب الذكي، لا سيما في ظل تعدد التطبيقات الطبية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الروبوتات الجراحية، التشخيص المبني على الذكاء الاصطناعي، والطب عن بُعد.

3- مقارنة نقدية بين التعريفات:

على الرغم من أن هناك جهودًا لتنظيم الطب الذكي في مختلف الأنظمة القانونية، إلا أن التعريفات القانونية التي اعتمدتها التشريعات المختلفة قد تكون غير شاملة أو تفتقر إلى التفاصيل الكافية لتغطية جميع جوانب هذا المجال المتطور. أهم القضايا التي ينبغي معالجتها في التعريفات التشريعية للطب الذكي تشمل: التكنولوجيا المستخدمة: ينبغي أن يكون التعريف شاملاً لجميع التطبيقات الحديثة من الذكاء الاصطناعي، الطب عن بُعد، التحليل البياني، إلخ. حقوق المرضى: من الضروري أن تتضمن التعريفات التشريعية حقوق المرضى في سياق استخدام هذه التقنيات، مثل حماية الخصوصية والبيانات الشخصية. المسؤولية الطبية: يجب أن يكون هناك تحديد دقيق للمسؤولية الطبية في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب.
التعريف النهائي المقترح للطب الذكي: “الطب الذكي هو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، التحليل البياني الكبير، والطب عن بُعد لتحسين التشخيص والعلاج والرعاية الصحية. يتضمن ذلك تطبيق التكنولوجيا الحديثة في جميع جوانب الرعاية الصحية من الوقاية إلى العلاج، مع ضمان حماية الخصوصية وحماية البيانات الشخصية للمرضى، وتحديد المسؤولية الطبية في اتخاذ القرارات الطبية.”

 ثالثاً: المسؤولية الجنائية والمدنية الناشئة عن الخطأ الطبي الذكي:

باستخدام الذكاء الاصطناعي إن الطب الذكي باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) قد أصبح جزءًا أساسيًا في تقديم الرعاية الصحية الحديثة، حيث يلعب دورًا محوريًا في التشخيص الطبي، العلاج، وصرف الأدوية. وعلى الرغم من المزايا الكبيرة التي يوفرها هذا النظام الذكي، فإنه يثير العديد من التساؤلات القانونية حول المسؤولية الجنائية والمدنية الناتجة عن الأخطاء الطبية الناشئة عن استخدامه. وقد تباينت الآراء الفقهية حول كيفية التعامل مع هذه المسؤولية، خصوصًا عند حدوث خطأ طبي، سواء كان بسيطًا أو جسيمًا.

• المسؤولية الجنائية عن الخطأ الطبي:

وتتحدد المسؤولية الجنائية عن الخطأ الطبي في القانون المصري وفقًا لأفعال مهنية غير قانونية أو إهمال جسيم من قبل الأطباء أو مقدمي الرعاية الصحية. وتُصنف الأخطاء الطبية إلى أخطاء بسيطة وأخرى جسيمة، مما يؤثر على العقوبات المقررة.
1-الخطأ الطبي البسيط: في حالة حدوث الخطأ الطبي البسيط الناشئ عن استخدام الذكاء الاصطناعي، فإن المسؤولية الجنائية قد لا تُفرض دائمًا، ولكن يُمكن اعتبار الخطأ ناتجًا عن إهمال غير متعمد أو قلة الحيطة في اتخاذ القرار الطبي. وفي القانون المصري، يمكن اعتبار الخطأ الطبي البسيط ناتجًا عن الإهمال البسيط، ويكون العقاب في هذه الحالة غالبًا غرامات مالية أو توجيه إنذار طبي.
نص المادة 244 من قانون العقوبات المصري: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات، كل من أحدث خطأ أثناء تأدية مهنته الطبية من شأنه أن يسبب للمريض ضررًا، وذلك إذا كان الفعل ناتجًا عن إهمال غير متعمد.
2- الخطأ الطبي الجسيم: أما في حالة الخطأ الطبي الجسيم الناشئ عن استخدام الذكاء الاصطناعي، سواء كان في التشخيص أو العلاج أو في صرف الأدوية، فإن المسؤولية الجنائية تكون أكثر وضوحًا، حيث يتم تحديد العقوبة الجنائية بشكل أشد. ويتراوح العقاب بين الحبس الطويل والغرامات الثقيلة، إضافة إلى الحرمان من ممارسة المهنة. نص المادة 245 من قانون العقوبات المصري: يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، أو بالغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه، كل من تسبب في وفاة المريض أو إحداث ضرر جسيم له نتيجة الإهمال الجسيم أو سوء النية في ممارسة المهنة الطبية.
 ويجدر بالذكر أنه في حالة استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل غير دقيق أو الاعتماد الكامل عليه دون تدقيق بشري، قد يؤدي إلى تشخيص خاطئ أو علاج غير دقيق، مما يعرض الطبيب للمسؤولية الجنائية إذا كان الخطأ جسيمًا.

•  المسؤولية المدنية عن الخطأ الطبي الذكي:

فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية الناشئة عن الأخطاء الطبية التي تحدث أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي، يُمكن للمريض المتضرر مقاضاة الطبيب أو المستشفى للحصول على تعويض عن الأضرار الناتجة عن الخطأ. تختلف المسؤولية المدنية عن الجنائية، حيث تهدف إلى إصلاح الضرر الذي لحق بالمريض، سواء كان الضرر ناتجًا عن تشخيص غير دقيق أو علاج غير ملائم.
1-الخطأ الطبي البسيط في المسؤولية المدنية: في حالة حدوث الخطأ الطبي البسيط باستخدام الذكاء الاصطناعي، قد يكون الأطباء أو المؤسسات الصحية ملزمين بدفع تعويضات مالية للمريض المتضرر. كما قد يُعتبر الفعل إهمالًا غير عمدي، مما يؤدي إلى مسؤولية مدنية دون عقوبات جنائية. نص المادة 163 من القانون المدني المصري: يجب على كل شخص أن يعوض الضرر الذي يحدثه للآخرين نتيجة خطئه، سواء كان الخطأ بسيطًا أو جسيمًا. 2- الخطأ الطبي الجسيم في المسؤولية المدنية: أما في حالة الخطأ الطبي الجسيم الذي يؤدي إلى إصابة المريض أو حتى وفاته، فإن المسؤولية المدنية تكون أكبر، ويترتب عليها تعويضات مالية ضخمة، وقد تشمل أتعاب المحاماة، تكاليف العلاج، وغيرها من النفقات. علاوة على ذلك، قد تنشأ مسؤولية تضامنية بين الطبيب والمستشفى في حال كان الخطأ ناتجًا عن إهمال جماعي أو إضرار متعمد. نص المادة 175 من القانون المدني المصري: يجب على المسؤول عن الفعل الضار تعويض الأضرار الناجمة عن ذلك الفعل، حتى في حالة الخطأ الجسيم الذي يؤدي إلى أضرار دائمة.
ونحن نري أنه بتحليل المسؤولية الجنائية والمدنية المسؤولية الجنائية يتبين لنا إن المسؤولية الجنائية عن الأخطاء الطبية الناشئة عن الذكاء الاصطناعي تقتصر غالبًا على الحالات التي ينجم عنها إصابات أو أضرار جسيمة ناتجة عن الإهمال الجسيم أو سوء النية. في الحالات التي يتسبب فيها الخطأ البسيط من خلال الاعتماد المفرط على التطبيقات الذكية دون مراجعة بشرية كافية، فإن القانون قد لا يُحمّل الطبيب المسؤولية الجنائية في جميع الحالات، ولكن هناك مسؤولية قانونية واضحة في حالة تكرار الأخطاء. وعلي الجانب الأخر في المسؤولية المدنية فإنها تُعنى بالضرر الواقع على المريض، ويتعين في هذه الحالة تعويضه ماليًا عن أي ضرر تعرض له نتيجة الخطأ الطبي. إلا أن المسؤولية المدنية قد تُواجه صعوبة في تحديد دور الذكاء الاصطناعي في الأخطاء الطبية، كما يمكن أن تتوزع المسؤولية بين الأطباء والأنظمة الذكية التي تم اعتمادها.
وخلاصة القول الفصل في المسؤولية الجنائية والمدنية عن الأخطاء الطبية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية تتطلب دقة قانونية عالية. وفي حالة الخطأ البسيط، يجب التمييز بين الإهمال غير المتعمد والإهمال الجسيم في التعامل مع التقنيات الحديثة. أما في حالة الخطأ الجسيم، فإنه ينبغي فرض عقوبات جنائية وتعويضات مدنية تتناسب مع حجم الضرر الناتج. ومن الأهمية بمكان أن يتم تحديث التشريعات الطبية لتواكب الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الذكية وتحديد نطاق المسؤولية بوضوح أكبر.

رابعاً: الفراغ التشريعي في مجال الطب الذكي في مصر:

 على الرغم من التطور التكنولوجي الهائل في مجال الطب الذكي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن القانون المصري لم يواكب هذا التطور بشكل كافٍ لتنظيم ومراقبة استخدام هذه التقنيات في المجال الصحي. يُعتبر هذا فراغًا تشريعيًا ينطوي على العديد من المخاطر، لا سيما من الناحية القانونية، حيث يُحتمل أن تحدث أخطاء طبية أو إساءات للمريض بسبب التقنيات الذكية، مما يتطلب تنظيمًا دقيقًا لضمان حماية الحقوق الصحية للمواطنين.
1- التحديات القانونية الناتجة عن الفراغ التشريعي: تتعدد التحديات القانونية التي يثيرها استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب، ومنها: المسؤولية القانونية: مع تطور الذكاء الاصطناعي في تقديم الرعاية الصحية، يبرز الفراغ التشريعي في تحديد المسؤولية القانونية الناتجة عن الأخطاء الطبية الذكية. هل المسؤولية تقع على مطور البرنامج الذكي؟ أم على الطبيب الذي يوافق على استخدام هذه التقنيات؟ أم على المؤسسة الصحية؟ هذا غير محدد بوضوح في القوانين المصرية. عدم وجود قوانين ملائمة: حتى الآن، لا توجد قوانين خاصة تضمن تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي وتُحدد معايير الأخطاء الطبية المرتبطة باستخدام هذه التقنيات. الخصوصية وحماية البيانات: مع استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الصحية للمريض، يُطرح التحدي الكبير فيما يتعلق بحماية خصوصية البيانات التي يتم جمعها ومعالجتها. هذا يحتاج إلى إطار قانوني يحمي البيانات الشخصية ويراعي حق المرضى في السرية الطبية. التحديات الأخلاقية: يتعين وجود إطار قانوني أخلاقي يُحدد المعايير الأخلاقية التي يجب أن يلتزم بها الأطباء والمستشفيات أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص المرضى وعلاجهم.
2- اقتراح مشروع قانون لتنظيم عمليات الطب الذكي في مصر من أجل مواجهة هذا الفراغ التشريعي وضمان تنظيم فعّال لعمليات الطب الذكي في مصر، يُقترح قانونًا متكاملاً يشتمل على العناصر التالية: المادة 1: تعريف الطب الذكي وتقنياته يُعرف الطب الذكي بأنه استخدام التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، التحليل البياني، والروبوتات الطبية في تشخيص الأمراض، العلاج الطبي، والرعاية الصحية. ويشمل هذا القانون جميع التقنيات الذكية التي تساهم في تحسين فعالية الرعاية الصحية وجودتها. المادة 2: تنظيم المسؤولية القانونية المسؤولية الجنائية: يُحاسب الطبيب جنائيًا في حال ثبت أن الإهمال في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أدى إلى خطأ طبي جسيم، مثل تدهور الحالة الصحية للمريض أو وفاته. يُعتبر الخطأ الطبي الجنائي جريمة يعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات، ويجب أن يتضمن العقاب غرامة مالية. المسؤولية المدنية: في حالة الخطأ الطبي البسيط أو الجسيم الناجم عن التقنيات الذكية، يتعين تعويض المريض عن الأضرار المترتبة، بما في ذلك تكاليف العلاج، الأضرار النفسية، وفقدان الدخل إن وجد. المادة 3: الخصوصية وحماية البيانات الشخصية حماية البيانات: يجب على جميع المؤسسات الصحية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي أن تلتزم بتقنيات التشفير وضمان الخصوصية أثناء جمع البيانات الصحية للمريض. يُحظر استخدام البيانات الشخصية للمريض خارج نطاق الغرض الطبي. الموافقة المستنيرة: يجب على المرضى إعطاء موافقة مستنيرة قبل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تشخيصهم وعلاجهم، ويجب أن يكونوا على دراية بكافة المخاطر والفوائد. المادة 4: معايير الأخطاء الطبية باستخدام الذكاء الاصطناعي الخطأ الطبي في التشخيص: يُعتبر الخطأ في التشخيص من خلال الذكاء الاصطناعي إهمالًا إذا كان التقنية المستخدمة لم تخضع للمراجعة الطبية الدقيقة أو إذا كانت التقنية قد أُسيء استخدامها. في حالة حدوث خطأ طبي جسيم (مثل تشخيص مرض غير دقيق يؤدي إلى تدهور حالة المريض)، تتحمل المسؤولية الجنائية على الطبيب و/أو المطورين التقنيين. الخطأ الطبي في العلاج: يُعد الخطأ في العلاج بسبب الذكاء الاصطناعي إهمالًا جسيمًا في حال عدم تطبيق المعايير السريرية السليمة أو إذا لم تتم مراجعة نتائج الذكاء الاصطناعي بشكل دقيق من الطبيب المعالج. يفرض القانون على المستشفيات ضرورة إجراء مراجعة بشرية للمعلومات التي يقدمها النظام الذكي قبل اتخاذ أي قرارات علاجية حاسمة. صرف الأدوية (الروشتة): يُعتبر صرف الأدوية بشكل خاطئ بناءً على تشخيص الذكاء الاصطناعي مسؤولية طبية جسيمة في حال أثبت أن الخطأ كان ناتجًا عن تقصير من جانب الطبيب أو المطور. المادة 5: ضمانات الرقابة والمتابعة الرقابة الصحية: يُشترط أن يتم الرقابة المستمرة على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع المؤسسات الصحية من خلال هيئة تنظيمية صحية معتمدة. يجب أن تتم تدريب الأطباء بشكل دوري على استخدام هذه التقنيات الذكية، وتقييم أداء الأنظمة بشكل منتظم. تعزيز الأبحاث: يُحث على إجراء أبحاث علمية مستمرة حول تحسين تقنيات الذكاء الاصطناعي في الطب، وضمان أن هذه الأنظمة تلتزم بأعلى معايير الجودة والسلامة. الخلاصة تعد التقنيات الذكية في المجال الطبي نقلة نوعية في تحسين جودة الرعاية الصحية، إلا أنها تتطلب تشريعًا قانونيًا مُحكمًا لضمان استخدامها بشكل آمن وفعال. ويُعد الفراغ التشريعي في مصر من أهم التحديات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب، ويجب العمل على إصدار قانون شامل يحدد المسؤوليات الجنائية والمدنية، ويحمي حقوق المرضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لاستكمال رحلتك في محتوانا لابد من إيقاف حاجب الإعلانات