
مقدمة:
تُعَدُّ ظاهرة “المستريح” واحدةً من أخطر صور النصب والاحتيال التي تفشَّت في المجتمعات، مستغلّةً طمع الأفراد في تحقيق الأرباح السريعة دون وعيٍ أو تدقيقٍ في ماهية الاستثمارات التي يُروَّج لها. ويُطلق مصطلح “المستريح” على ذلك الشخص الذي يُقدِّم نفسه في صورة رجل الأعمال أو المستثمر الناجح، مُدَّعيًا امتلاكه مشاريع ضخمة أو قدرته على توظيف الأموال في مجالاتٍ مربحةٍ تدرُّ عوائد خيالية خلال فتراتٍ وجيزة، مُستغلًا جهل بعض الضحايا أو رغبتهم الجامحة في تحقيق مكاسب سريعة تفوق المعدلات الطبيعية للسوق. غير أنّ هذا النموذج لا يلبث أن ينكشف على حقيقته، إذ يقوم الجاني بجمع مبالغ طائلة من المودعين، واعدًا إيّاهم بعوائد غير واقعية، مستخدمًا أسلوب “الدائرة المغلقة” حيث يتم دفع الأرباح من أموال المودعين الجدد وليس من أرباح استثمار حقيقي، فيما يُعرف بأسلوب الاحتيال الهرمي أو “بونزي سكيم”. ومع تراكم الأموال وعجزه عن الاستمرار في دفع العوائد، ينهار المخطط، ويختفي “المستريح” أو يُعلن إفلاسه، تاركًا وراءه ضحايا خسروا أموالهم نتيجة خداعٍ مُحكمٍ استغلَّ ثغرات القانون وثقة الأفراد في أوهام الثراء السريع.
أولاً :تعريف ظاهرة المستريح:
يمكننا تعريف “المستريح” لغويًا بالرجوع إلى أصول الكلمة في المعاجم العربية، حيث نجد أن “المستريح” اسم فاعل مشتق من الفعل “استراح”، وهو فعل يدل على طلب الراحة أو نيلها بعد جهد أو عناء. وجاء في لسان العرب أن الراحة تعني “السكون بعد التعب، والطمأنينة بعد العناء”، ومنه قولهم: “استراح الرجل” أي نال راحته بعد مشقة. ومن هذا الأصل اللغوي، يُفهم أن “المستريح” هو من بلغ حالة من السكينة والطمأنينة بعد أن كان في كدٍّ وجهد. إلا أن المفارقة تكمن في المعنى الاصطلاحي الحديث الذي حاد عن الدلالة الأصلية، إذ أصبح يُطلق على من يحقق مكاسب مالية ضخمة دون عناء حقيقي، بل من خلال التحايل والخداع. ففي هذا الاستخدام المستحدث، يحمل المصطلح دلالة تهكمية تعكس المفارقة بين الفعل “استراح” الذي يفيد تحصيل الراحة بعد عمل مشروع، وبين “المستريح” الذي يظفر بالمال دون مشقة عبر الاحتيال على ضحاياه. وهذا التحول الدلالي يعكس أثر الواقع الاقتصادي والاجتماعي في تشكيل معاني الألفاظ، حيث تتطور اللغة لتعبر عن الظواهر المستجدة بمصطلحات مستوحاة من جذور لغوية قديمة، ولكن بأسلوب يحمل طابع النقد والسخرية أحيانًا.
ويمكننا تعريف ظاهرة “المستريح” بأنها واحدة من أخطر صور الاحتيال الاقتصادي التي تضرب بجذورها في دهاليز الطمع البشري، مستغلةً في ذلك تعطّش الأفراد للثراء السريع، وجهلهم بأسس الاستثمار الرشيد. ولئن كانت هذه الظاهرة قائمةً، في جوهرها، على الخداع المنظّم، فإنها تتخفّى برداء الاستثمار الزائف، إذ يُوهِم الجاني ضحاياه بوجود مشاريع تدرّ أرباحًا طائلة دون عناء، مستغلًا في ذلك أساليب احتيالية ممنهجة، أبرزها ما يُعرف بمخطط “بونزي” أو “المخطط الهرمي”، حيث يتم استخدام أموال المودعين الجدد لدفع أرباح للمودعين الأوائل، مما يُغري المزيد من الضحايا بالانخراط في هذا الوهم. غير أن هذا البناء الزائف، الذي يُشيد على غير أساس، سرعان ما ينهار، إذ كيف لمن لا يملك رأس مال حقيقي أن يستمر في تقديم أرباح متجددة؟! وما انفكّ هذا الوهم يتلاشى عند لحظة الحسم، حين يعجز المحتال عن دفع المستحقات، فيفرُّ هاربًا، أو يُعلن إفلاسه، تاركًا وراءه ضحايا ذاهلين، كمن استظلَّ بسحابٍ لم يُمطر، أو كسرابٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا!
ولا غرو أن هذه الظاهرة، بامتداداتها المريعة، تُشكّل خطرًا داهمًا على الاستقرار المالي والمجتمعي، إذ إنها تؤدي إلى تقويض ثقة الأفراد بالاستثمارات المشروعة، وتُخلّف تداعيات اقتصادية وخيمة، لا يُداويها إلا ردعٌ تشريعي صارم، يعصف بجذور هذا الاحتيال، ويحاصر مروّجيه بسياجٍ من المحاسبة الحازمة، حتى لا تكون الأموال – التي هي قوام الحياة – عرضةً للنهب والتلاعب باسم الاستثمار.
ثانياً: الصور الاحتيالية “للمستريح”
تتنوع أساليب “المستريح” وتتشعب طرقه في النصب والاحتيال، حيث يعمد إلى استدراج ضحاياه عبر مخططات محكمة، تستند إلى الوهم والخداع والاستغلال البارع لجشع الطامعين وحسن نيّة البسطاء. ويمكن تصنيف هذه الأنماط الاحتيالية وفقًا للأساليب التي يعتمد عليها المحتال في الإيقاع بضحاياه، وذلك على النحو الآتي:
1- الاحتيال عبر توظيف الأموال الوهمي
هذا هو النموذج الأبرز للمستريح، حيث يُوهم الضحايا بأنه رجل أعمال ناجح، قادر على تحقيق أرباح طائلة في زمن قياسي، فيغريهم بإيداع أموالهم لديه بزعم استثمارها في قطاعات مزعومة مثل العقارات، وتجارة الذهب، أو حتى مشاريع زراعية وهمية. ومثلما يُغري الصيادُ فريسته بالطُعم قبل أن يسحبها إلى شِباكه، يُلقي المحتال بطُعم الأرباح السريعة لجذب المزيد من الضحايا. لكنه لا يدير أي نشاط حقيقي، بل يستخدم أموال المستثمرين الجدد لدفع أرباح للمستثمرين الأوائل، فينهال الناس عليه بالاستثمارات، حتى إذا بلغ المخطط ذروته، اختفى المحتال بأموال الجميع، تاركًا وراءه ضحايا كمن انخدعوا بسرابٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا!
2- النصب عن طريق التجارة الوهمية
هنا يلعب “المستريح” على وتر إغراء الزبائن بعروض مبهرة، فيعلن عن سلع فاخرة بأسعار مغرية، أو منتجات نادرة بخصومات هائلة، فيتهافت المشترون طمعًا في الفرصة، لكن ما إن يدفعوا أموالهم حتى يتبخر الوعد ويتلاشى، وكأنما كانوا يجرون خلف دخان يتبدد في الهواء! وأحيانًا يُرسل البائع بضاعة مغشوشة لا تمت بصلة لما وعد به، فيكون حال المشتري كمن فتح صندوقًا على أنه كنز، فإذا به مليء بالحجارة والصخور.
3- الاحتيال من خلال بيع العقارات الوهمية
يشتهر “المستريح” أيضًا بخداع الباحثين عن السكن أو الاستثمار في العقارات، فيعرض أراضي أو وحدات سكنية لا يملكها، أو يبيع نفس العقار لأكثر من شخص، أو يسوّق لمشاريع غير موجودة أصلاً. ويقع الضحايا في الفخ كما يقع الطائر في القفص بعد أن جذبته الحبوب، فلا يدرك أنه كان في مرمى الفخ إلا بعدما يُطبق عليه الباب، وحينها تكون الأموال قد ضاعت، والآمال قد تحطمت.
4- الاحتيال باسم المشروعات التشاركية
يطرح “المستريح” فكرة مشروع استثماري واعد، مثل مزارع المواشي أو المصانع الإنتاجية، موهمًا ضحاياه بأن الأرباح ستنهال عليهم خلال أشهر قليلة. فينجرف البعض وراء هذا الوهم كما تنجرف السفينة في بحرٍ هائجٍ بلا بوصلة، لكن سرعان ما تنكشف الحقيقة عندما يتبخر المشروع المزعوم ويختفي صاحبه ومعه رؤوس الأموال، ليبقى الضحايا يصارعون أمواج الخسارة بلا طوق نجاة.
5- الاحتيال عبر التسويق الشبكي الاحتيالي
تستند هذه الخدعة إلى جذب الضحايا عبر وعود بأرباح تتضاعف بمجرد أن يقوموا بجلب مشتركين جدد، فتبدو الفكرة كأنها “شجرة المال” التي تكبر كلما زاد عدد المشتركين. لكن في الواقع، لا وجود لأي استثمار حقيقي، وإنما يعتمد المخطط على الأموال التي يدفعها القادمون الجدد. ومع توقف تدفق المشاركين، ينهار النظام كما ينهار بنيانٌ قائم على الرمال، تاركًا خلفه خسائر فادحة.
6- الاحتيال في تجارة السيارات والمواشي
يقدم “المستريح” عروضًا جذابة لبيع سيارات فاخرة أو مواشٍ بأسعار منخفضة، مستغلًا حاجة بعض الأفراد لشراء هذه السلع بسعر مناسب. لكنه يضع شرطًا بالدفع مقدمًا، ثم يبدأ بالمماطلة في التسليم حتى يجمع أكبر قدر ممكن من الأموال، وبعدها يختفي كما يختفي السراب عندما تحاول الإمساك به، فلا يبقى للضحايا سوى الحسرة والندم.
7- المستريح الديني (المحتال باسم الدين)
يعد هذا النموذج من أخطر أنواع “المستريح”، إذ يستغل ورع الناس وتديّنهم، فيتقمص هيئة الرجل الصالح، مستندًا إلى المظهر المتدين والخطاب الوعظي المؤثر، ليُقنع ضحاياه بأنه يدير استثمارات تتوافق مع الشريعة الإسلامية، كالتجارة في الذهب والمواشي أو إنشاء مشروعات “حلال” تدرّ أرباحًا طائلة بلا شبهة ربا أو مخالفة دينية.
وكما استغل بعض الزائفين في التاريخ لباس الصالحين ليُخفي خِداعه، يرتدي هذا المحتال قناع الورع والتقوى، فيظهر للناس كما لو كان “رجلًا من أهل الخير”، يفتح لهم باب الرزق المبارك، لكن الحقيقة أن هذا الباب ليس إلا فخًا محكمًا، يُغلق على من يدخله ليكتشف لاحقًا أنه وقع في قبضة خادعٍ لا يختلف عن غيره من المحتالين إلا في أسلوب التمويه.
إن هذا النوع من الاحتيال أشد خطرًا، لأنه لا يسرق المال فقط، بل يسرق أيضًا الثقة في الدين وأهله، فيترك الضحايا في حالة من الشك والخذلان، تمامًا كما تنطفئ شمعة الأمل عندما يكتشف الإنسان أنه كان يركض وراء سراب باسم الفضيلة والتقوى.
8-المستريح الوظيفي (محتال التوظيف والتشغيل)
يسعي الأفراد إلى تأمين حياة كريمة، حيث إن الأمل في الحصول على وظيفة تضمن الاستقرار المالي هو طموح نبيل، لا غرو أن يظهر بين أيدينا أولئك الذين يتخذون من هذا الأمل وسيلة لاصطفاء أموال الناس بالباطل، فيصبحون بذلك المستريح الوظيفي، أو ما يمكن تسميته بـ محتال التوظيف والتشغيل. إذ كيف لا يُعتبر هذا التصرف جريمة إنسانية بامتياز، تستنزف أحلام الناس كما يستنزف السيل الجارف ما في مجراه من أشياء؟! ولما كان المحتال يتسلح بالكلمات العذبة والتعهدات الزائفة، يُوهم ضحاياه بالوعود المضللة، حيث يقدم لهم وظائف زائفة في شركات كبرى أو جهات حكومية مرموقة، ويطلب منهم دفع مبالغ مغرية تحت مسمى “رسوم إدارية” أو “مصاريف ملف التوظيف”، وهو بذلك يُشبه من يغوي السائر في الطريق المظلم بالضوء الكاذب، حتى إذا ما استنزفهم ماليًا، اختفى عن الأنظار، تاركًا إياهم في صدمة عميقة، كمن غرر به في حيرة لا يدري لها سببا. إذ إن جريمة هذا المحتال تقف في مواجهة للعدالة، كما يقف السارق في وجه الحق، فكلما أقبل من أوهام، تكشفت أمامه حقائق الزيف والمكر. فالمحتال في حقيقة أمره لا يزيد عن كونه كالدخان الذي يضلل العين، حيث يظهر بريقه لوهلة ثم ينقشع عن غبار قاتم، كما قال تعالى في محكم التنزيل: “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (الزمر: 67)، وكالدخان الذي يتبدد ولا يُبقي له أثر. وفي هذا السياق، وفي حين يتشدق المحتالون بمسميات براقة ومفردات معسولة، ما انفك هؤلاء عن انتحال صفات الوكلاء الرسميين، أو موظفي الشركات الكبرى، فكانوا كالسراب الذي يسعى وراءه العطشان ليشرب، فإذا وصل إليه لم يجد سوى السراب. ولئن كان السعي وراء العمل مشروعًا ومطلبًا إنسانيًا، فإن ما يرتكبه هؤلاء من احتيال هو نذير شؤم، جريمة تفسد المجتمع وتُهدر المال العام والخاص، بل وتؤثر على النفوس الطيبة التي لم تُحسن التمييز بين الطيب والخبيث. وعلى الرغم من غياب الرقابة الكافية في بعض الأحيان، فإن اللوم يقع على كل من يسمح لتلك الحيل بأن تُزهر وتنمو في أرض المجتمع، إذ تَجُرُّ وراءها ضحايا لا يُحصى عددهم، منهم من لا يدري أنه فريسة، حتى إذا ما وقع في شباك الغش، أدرك حقيقة المكر، وهو كمن ينخدع في الظلال قبل أن يتبين نور الحق. إذ ذاك، لا بد من تعزيز الوعي المجتمعي بحقوق الناس في الحصول على فرص عمل شريفة، وما انفك المجتمع القانوني والعدلي في معظم البلدان يعمل على تتبع هؤلاء المجرمين، من خلال آليات صارمة، وتفعيل للقوانين الرادعة التي تأخذ في اعتبارها ك
ونري إن “المستريح” لا يستخدم السلاح ولا يسطو على البنوك، لكنه يسرق الأموال بوسيلة أشد مكراً وأعظم خطرًا: “الوعود الكاذبة”. وكما قال الشاعر:
“وظُلمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً… على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ”
فالخداع المبني على الطمع والأمل الكاذب أشد فتكًا من أي سرقة تقليدية، لأنه لا يسلب المال فحسب، بل يسلب معه الثقة في الآخرين، ويجعل الضحايا يتيهون في دوامة من الأسى والندم، بعد أن كانوا يظنون أنهم على مشارف الثراء.
ثالثًا: أركان الجريمة
إن أي جريمة لا تكتمل إلا بتوافر أركانها الأساسية التي تتوزع عادة إلى الركن المادي والركن المعنوي. وبالنسبة إلى ظاهرة المستريح، والتي تشمل أي نوع من أنواع الاحتيال الذي يُرتكب بهدف الاستيلاء على المال بطرق غير مشروعة، فإن توافر هذين الركنين يشكلان الأساس في تحقيق مسؤولية الجاني، حيث لا يمكن اعتبار الفعل جريمة إلا إذا ثبت تحققهما بشكل كامل.
1- الركن المادي :
في تحليل الركن المادي في جريمة “المستريح”، لا غرو أن الفعل المادي يشمل مجموعة من العناصر الجوهرية التي لا يُغفل عنها في تأصيل الجريمة وتصنيفها. ولما كان السلوك الإجرامي هو الأساس الذي يقوم عليه أي فعل غير مشروع، فإننا نراه يتجسد في أسلوب الاحتيال الذي يعتمده الجاني للإيقاع بالضحايا، على نحوٍ يليق بوقائع تدمي القلوب. فإذا تأملنا هذا السلوك، وجدنا أنه كالسحابة العابرة التي تخفي وراءها البرق، يظهر للجميع عارضًا مزاعم لا تتعدى أن تكون خداعًا مطبقًا، لا يتأخر في كشفه إلا بعد أن يكون قد جنى الجاني ثماره الحرام.
-السلوك (الفعل الجرمي):
إذ كيف يكون ذلك الشخص الذي يقدم نفسه في صورة رجل الأعمال الناجح؟ وما انفك يروج لمشاريع وهمية، وعوائد خيالية لا يسندها دليلٌ من الواقع، فيعرض على الناس فرصًا استثمارية بأرباح لا تحقّقها طبيعة السوق، فيغويهم بكل ما تحمله كلماتُه من وعيد وأمل كاذب، مستغلًا جهلهم ورغبتهم الجامحة في الثراء السريع. ذلك السلوك الذي لا يُعدُّ أكثر من طيفٍ زائلٍ، يبني عليه الجاني شبكة من الأوهام، محقّقًا غاياته على حساب أعز ما يملك الناس من أموال. ولا غرْوَ في أن تكون هذه الخديعة قد تلبَّست بكل سمة من سمات التلاعب والمكر، حيث يسحب الأموال من المودعين القدامى، ويعيد تقديمها في شكل أرباحٍ من خزانة المودعين الجدد، في حلقة مغلقة لا تعدو أن تكون جزءًا من أسلوب الاحتيال الهرمي المعروف باسم “بونزي سكيم”، فيستمر هذا الدوران إلى أن ينهارَ كل شيءٍ ويعود الجاني إلى حيث كان، خالي اليدين من المال، ولكن مشبَّعًا من الحيلة.
-النتيجة:
أما النتيجة التي تترتب على هذا السلوك، فهي كالخيوط التي تنسج بها جريمة الاحتيال. فعند التلاعب بالعقود والعروض، والوعود التي لا سند لها من الحقيقة، يكون الضرر الذي يلحق بالضحية بمثابة الظلمات بعضها فوق بعض، حيث تجد الضحية نفسها وقد خسرت أموالها، وابتلعتها الأوهام التي قدمها المستريح، وهي محمَّلةٌ بشعور من الصدمة والخذلان. إذاً، من السهل أن نرى أن النتيجة لم تكن إلا انعكاسًا مباشرًا لتلك الأفعال المضللة التي قام بها الجاني، والتي لا تعدو أن تكون سوى خداعًا وتلاعبًا بمشاعر الناس في سبيل استغلالهم بأبشع صور الاستغلال.
-علاقة السببية:
أما العلاقة السببية بين السلوك والنتيجة، فهي كالشجرة التي لا تثمر إلا عندما تكون بذرتها قد غُرست في الأرض الطيبة، فإذا زرع الجاني هذه الأفعال المضللة في نفوس الضحايا، فإن النتيجة التي تترتب عليها لا تلبث أن تثمر في شكل خسارة فادحة. إذ كيف لا تكون العلاقة السببية واضحة بين تلك الوعود الزائفة وتلك الأموال التي اختفت في سرابٍ لا حقيقة له؟ إن العلاقة السببية هنا هي التي تجعل من الفعل جريمةً محقَّقة، إذ لا يمكن تفسير النتيجة إلا كنتيجة مباشرة لفعل الاحتيال الذي ارتكبه الجاني، تمامًا كما قال تعالى: “إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” (الرعد: 11). إذ أن الفعل الحاقد الذي ارتكبه المستريح هو ما أتى بالنتيجة المؤلمة للضحية، كما يحدث في مثل ذلك الظل الذي يتبع صاحبَه، لا يفارقه أبدًا.
إذ ذاك، تتجلى جريمة “المستريح” في سلوكٍ يحمل من التضليل والمكر ما يفضح طبيعة الجريمة ذاتها، ويربط هذا السلوك بنتيجةٍ واضحة هي ضرر المال الذي يلحق بالضحية. وما انفك هذا السلوك يفتك بالأفراد مستغلًا جهلهم وتهورهم، حتى تأتي النتيجة القاسية التي لا فكاك منها. هذه الجريمة، وإن كانت غائبة عن أعين القانون في بعض الأحيان، إلا أن العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة تظل وثيقةً وثبوتيةً لا تقبل الشك، فهي بذلك ليست مجرد عرض كاذب، بل هي جريمة احتيال متكاملة تؤكد الخداع والظلم في أبشع صورها.
تُعَدُّ جريمة “المستريح” من ألوان النصب والاحتيال التي تستغل ثقة الأفراد وطمعهم في تحقيق أرباح سريعة، وذلك من خلال وعود كاذبة واستغلال لثغراتهم النفسية والاجتماعية. ولما كان القانون المصري يولي اهتمامًا بالغًا بمكافحة مثل هذه الجرائم، فقد نص في المادة 336 من قانون العقوبات على ما يلي:
“يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أي متاع منقول، وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي أو تسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال، أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور، وإما بالتصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكًا له ولا له حق التصرف فيه، وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.”
وبناءً على ذلك، فإن مرتكب جريمة “المستريح” يُعاقب بالحبس، مع إمكانية تشديد العقوبة في حالات معينة، كاستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في ارتكاب الجريمة، أو استهداف عدد كبير من الضحايا. حيث نص مشروع قانون “المستريح الإلكتروني” على معاقبة كل من يرتكب جريمة النصب باستخدام وسائل التكنولوجيا والاتصال عبر الإنترنت بالسجن لمدة لا تزيد عن خمس سنوات.
ولئن كان القانون قد نص على عقوبات محددة لجريمة النصب، إلا أن هناك دعوات لتشديدها، خاصة في ظل تطور أساليب الاحتيال الحديثة، مثل النصب الإلكتروني، وذلك لضمان حماية حقوق الأفراد والمجتمع من هذه الجرائم.
خامساً الخاتمة:
إذ لا يخفى على أحد أنَّ جريمة “المستريح” أصبحت من أخطر الظواهر التي تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مجتمعنا، وقد انتشرت بشكلٍ يتطلب منا إعادة النظر في كيفية التعامل مع هذه الجرائم التي تتخذ أشكالًا متعددة، تبدأ من الطمع ولا تنتهي إلا بخسائر فادحة يتكبدها الضحايا. ولما كان النص الحالي في المادة 336 من قانون العقوبات المصري لا يشمل بشكل كافٍ الجرائم التي يرتكبها “المستريح”، فيجب أن يكون هناك نص خاص يُجرِّم هذه الجريمة، ويضع عقوباتٍ أكثر تشددًا على مرتكبيها.
إذ كيف يمكن للمجتمع أن يتصدى لهذه الظاهرة إذا كانت النصوص القانونية القديمة، التي قد تم سنُّها في وقتٍ كانت فيه أساليب الاحتيال أقل تطورًا، لا تواكب التحديات المستجدة ولا تنصف الضحايا بشكل حقيقي؟ ولئن كان القانون قد نصَّ في المادة 336 على عقوبات للحالات العامة من النصب والاحتيال، فإنَّ “المستريح” يمثل نموذجًا خاصًّا يتطلب تشريعاتٍ دقيقة تستهدف هذا النوع من الجرائم تحديدًا، نظرًا لخصوصيته وضرره العميق الذي يتجاوز مجرد سرقة المال، ليشمل تدمير الثقة في المجتمع وخلق حالة من الهلع النفسي لدى الأفراد.
ومن ثم، يجب أن يتضمن التشريع نصًا خاصًا يجرم جريمة “المستريح” ويحدد لها عقوبات صارمة تتناسب مع حجم الضرر الاجتماعي والنفسي الذي تسببه، على أن تكون هذه العقوبات رادعة بشكلٍ لا يقبل التهاون، تُسهم في تقليص انتشار هذه الظاهرة التي باتت تهدد أمان الأفراد والمجتمع بأسره.
مشروع قانون تجريم ظاهرة “المستريح”
نظرًا لما تشكله ظاهرة “المستريح” من تهديد جسيم لاقتصاد المجتمع، من خلال استغلال ثقة الأفراد في وعود كاذبة ومغريات وهمية، وما تنجم عنه من أضرار اجتماعية ونفسية خطيرة للضحايا، فقد أصبح من الواجب الشرعي والإنساني اتخاذ تدابير قانونية حاسمة لمكافحة هذه الظاهرة المستحدثة. ومن هنا جاء هذا المشروع ليضع إطارًا قانونيًا دقيقًا يتناول كل جوانب الجريمة من تعريف وتوصيف، وصولًا إلى العقوبات المناسبة التي توازي خطورة الجريمة وأثرها. فالفلسفة التي يقوم عليها هذا المشروع هي حماية حقوق الأفراد وحفظ أمنهم المالي، من خلال إرساء منظومة تشريعية ردعية ووقائية تضمن الحد من انتشار هذه الظاهرة المدمرة.
البند الأول: فلسفة مشروع القانون
حيث إن النصب والاحتيال، بكل أشكالهما وصورهما، لا غرو أنهما يمثلان أحد أبرز التهديدات التي تهز استقرار الأفراد والمجتمع على حد سواء. ولئن كان القانون قد تناول في نصوصه جرائم الاحتيال والنصب، إلا أن ما انفكّت “ظاهرة المستريح” تزداد خطرًا وتوسعًا في الآونة الأخيرة، مستهدفة الثقة الشعبية وأمن الأفراد المالي. إذ إن هذه الجريمة تمتاز بتوظيف أساليب حديثة وغير تقليدية، تجعل من الضروري إقرار نص قانوني خاص ومحدد يتناول كافة أبعادها، ويحجم انتشارها الفتّاك. ومن ثمّ، يضع هذا المشروع على رأس أولوياته ضرورة توسيع نطاق التجريم ليشمل هذه الظاهرة بأدوات قانونية أكثر فاعلية وصرامة.
البند الثاني: تعريف “المستريح”
تُعرف “المستريح” في هذا المشروع القانوني بأنه الشخص الذي يستغل ثقة الأفراد وطموحاتهم في تحقيق مكاسب مالية غير مشروعة، من خلال تقديم وعود كاذبة وأوهام مغرية تتعلق بعوائد مالية غير حقيقية، وذلك عبر طرق احتيالية متنوعة كالعروض الوهمية أو استخدام التكنولوجيا الحديثة لتمويه الحقيقة. ويشمل ذلك كل من يتعمد تقديم أوصاف ووعود مادية غير حقيقية، مستغلًا رغبة الضحايا في المكسب السريع أو التلاعب بعواطفهم وأموالهم.
البند الثالث: العقوبة في صورتها البسيطة
في حالة ارتكاب جريمة “المستريح” دون أي ظروف مشددة، يعاقب الجاني بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية تساوي قيمة الأموال المستولى عليها أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك وفقًا لما تقتضيه خطورة الفعل المرتكب. ويُراعى في هذا السياق أن تكون العقوبة متناسبة مع حجم الضرر المترتب على الجريمة.
البند الرابع: العقوبة في صورتها المشددة
وفي حال توافر أي من الظروف المشددة، مثل تشكيل عصابي، أو إذا كان الجاني عائدًا إلى ارتكاب الجريمة، أو في حال تجاوزت قيمة الأموال المستولى عليها المليون جنيه، فإن العقوبة تتشدد لتصل إلى الحبس لمدة لا تقل عن خمس سنوات مع غرامة مالية تعادل ضعف قيمة الأموال المستولى عليها. كما يجوز للمحكمة أن تُصدر حكمًا بالسجن المؤبد في حال تكرار الجريمة، إذا تبين أن الجريمة قد تسببت في أضرار مالية جسيمة تضر بالمجتمع بأسره.
البند الخامس: العقوبات التكملية
إضافة إلى العقوبات السالبة للحرية، يتم فرض عقوبات تكملية تهدف إلى ضمان الردع الفعّال للجاني ومنع تكرار الجريمة. وتشمل هذه العقوبات:
1. مصاريف تعويض للضحايا: يُلزم الجاني بدفع تعويضات للضحايا تعادل الأضرار التي لحقت بهم من جراء الجريمة.
2. منع من ممارسة النشاط الاقتصادي: يُحظر على الجاني ممارسة أي نشاط تجاري أو استثماري لمدة خمس سنوات بعد تنفيذ العقوبة.
3. الحرمان من تولي المناصب العامة: يُمنع الجاني من تولي أي منصب عام أو إداري لمدة خمس سنوات.
4. التشهير بالجاني: في حال كانت الجريمة ذات أبعاد واسعة، يمكن أن يُحكم بنشر تفاصيل الجريمة في وسائل الإعلام المختلفة.
البند السادس: التدابير الاحترازية
وإذ كان المشروع يسعى إلى ضمان حماية حقوق الأفراد، فإنه يتضمن تدابير احترازية تهدف إلى تقليل الخطر وإعادة تأهيل الجاني، وهي:
1. رد الأموال إلى الضحايا: يُلزم الجاني برد الأموال المستولى عليها إلى الضحايا خلال مدة لا تتجاوز عامين من تاريخ صدور الحكم النهائي.
2. الرقابة المالية: يُفرض رقابة مستمرة على الحسابات المالية للجاني لمدة خمس سنوات لضمان عدم استغلاله لأي ثغرات مالية.
3. إجراءات تأديبية: يُفرض على الجاني تعهد كتابي بعدم العودة إلى ارتكاب الجريمة في المستقبل.
4. الرقابة المجتمعية: يخضع الجاني لرقابة مجتمعية أو تأهيل اجتماعي للمساعدة في إعادة إدماجه بشكل آمن.
توصيات المواجهة المجتمعية لظاهرة المستريح
إن مواجهة ظاهرة “المستريح” لا تقتصر فقط على التشريعات الجنائية أو على دور الأجهزة الأمنية، بل يجب أن تتسع لتشمل كافة أطياف المجتمع، بما في ذلك المؤسسات الدينية، التعليمية، الإعلامية، وغيرها من المؤسسات التي تشكل نسيج المجتمع المصري. من هنا تبرز أهمية تضافر هذه المؤسسات في التصدي لهذه الجريمة، كلٌ بحسب دوره ورؤيته، بما يساهم في القضاء على هذه الظاهرة المدمرة.
– دور الأزهر الشريف والكنسية
إن دور المؤسسات الدينية العريقة في مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، في مواجهة ظاهرة “المستريح” يعد من الأدوار الحيوية والمفصلية التي تتجاوز حدود الإيمان إلى ضمير المجتمع وأمنه الاجتماعي. ولما كان الأزهر الشريف هو منبع العلم والفكر الإسلامي في أبهى تجلياته، ولا غرو أن يكون له الدور الأكبر في مواجهة هذا الخطر الذي يهدد استقرار المجتمع من خلال تحريضه على الجشع والاستغلال. ففي منابره الطاهرة، يتجلى الأزهر في رسالته السامية التي لا تقتصر على نشر العلم، بل تتعداه إلى نشر قيم الأمانة والصدق التي أوصى بها القرآن الكريم، والتي تعتبر من أسس الحياة المجتمعية السليمة. ولئن كان دور الأزهر في توعية المجتمع بمخاطر هذه الظواهر لا يقتصر على الفتاوى الشافية فحسب، بل يشمل أيضًا المحاضرات الدينية والندوات التي تُعقد في الجامعات والمراكز الثقافية، فإن تأثيره يظل عميقًا في تشكيل الوعي الاجتماعي ضد هذا السلوك الإجرامي الذي يتسبب في تهديد حياة المواطنين واستقرارهم المالي.
ومن جانب آخر، تظل الكنيسة المصرية، بأصالتها الروحية والمجتمعية، منارات نور في المجتمع المصري. إذ كيف يمكننا إغفال تأثيرها العميق في تهذيب النفوس، وتعزيز القيم الأخلاقية التي تحارب الجشع والاستغلال، وتدعو إلى التراحم والتكافل بين أفراد المجتمع؟ فالكنيسة، عبر منابرها المقدسة، لا تقتصر رسالتها على الجانب الروحي فحسب، بل تتسع لتشمل البُعد الأخلاقي الاجتماعي الذي يجعل منها حجر الزاوية في بناء مجتمع متماسك متوازن. عبر القداسات والمواعظ الدينية، تُحذر الكنيسة من الآفات التي تهدد الاستقرار الاجتماعي، وفي طليعتها ظاهرة النصب والاحتيال، مشيرة إلى أن الرب قد أمرنا بالعدل والصدق، وأن المال الحرام طريق إلى الهلاك. كما أن الكنيسة تواصل دورها الفاعل من خلال فعاليات توعوية في مراكز الشباب والمؤتمرات، مما يعزز وعي المواطنين بمخاطر هذه الظواهر ويؤكد على ضرورة التحلي بالقيم الروحية والإنسانية السامية.
إن الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، إذ يقفان في خط الدفاع الأول ضد مثل هذه الظواهر المدمرة، إنما يقدمان نموذجًا حيًا للمؤسسات الدينية التي لا تقتصر رسالتها على العبادة، بل تتسع لتشمل رعاية المجتمع وحمايته من الانحرافات التي قد تهدد أمنه واستقراره. ولذا، فإن تأكيد هاتين المؤسستين على قيم الأمانة والصدق، وحث المواطنين على تحري الحق، لهو ما ينبغي أن يكون منطلقًا لنا جميعًا في مواجهة ظاهرة “المستريح”، والعمل معًا من أجل مجتمع أكثر عدالة وأمانًا.
– دور الإعلام
وفيما يخص الإعلام، وهو القادر على الوصول إلى كل شرائح المجتمع، فإنه يُعد الأداة الفعالة في محاربة هذه الظاهرة. حيث إن الإعلام لا يقتصر دوره على نشر الأخبار، بل يتعداه إلى تعزيز الثقافة القانونية والأخلاقية، والعمل على زيادة الوعي بمخاطر هذه الجرائم. ولئن كان الإعلام يملك قوة التأثير، فإن على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة أن تُخصص فترات زمنية كافية للحديث عن ظاهرة المستريح وآثارها السلبية، عبر استضافة الخبراء القانونيين والاقتصاديين، ونقل تجارب الضحايا، وبيان العقوبات القانونية المقررة لهذه الجريمة. مما يساهم في تحصين أفراد المجتمع ضد الوقوع في فخ الاستغلال المالي.
– دور المدارس والجامعات
أما في المدارس والجامعات، فيجب أن تكون هناك برامج تعليمية وتثقيفية تستهدف الفئة العمرية الصغيرة والشباب، الذين هم الأكثر عرضة للانخداع بمثل هذه الظواهر. إذ كيف يمكن للجيل الناشئ أن يُحصن نفسه ضد الاحتيال إذا لم يتعلم منذ نعومة أظافره كيف يُميز بين الحق والباطل، وكيف يتجنب الوقوع في فخ المغريات الوهمية؟ ينبغي للمدارس أن تتبنى مناهج توعوية تدور حول مخاطر النصب، والتعريف بالحقوق المالية، وكذلك كيفية التصرف السليم في المعاملات التجارية. كما يجب للجامعات أن تتبنى فعاليات بحثية، وورش عمل، وندوات تثقيفية لطلابها حول هذا الموضوع، مما يسهم في خلق جيل واعٍ قادر على حماية نفسه من الوقوع في مثل هذه الجرائم.
– دور المجتمع المدني
وأخيرًا، يجب أن يكون للمجتمع المدني دور فاعل في مواجهة ظاهرة “المستريح”. إذ إن منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك الجمعيات الخيرية، والتجمعات المدنية، تلعب دورًا مكملًا للمؤسسات الحكومية في تعزيز الوعي المجتمعي، وتوفير الدعم النفسي للضحايا. كما يجب على هذه المنظمات أن تسهم في وضع برامج تدريبية تُركز على كيفية تجنب الوقوع في فخ الاحتيال، وتقديم المساعدة القانونية للمواطنين الذين تعرضوا لمثل هذه الجرائم.
ولا غرو أن مواجهة ظاهرة “المستريح” تتطلب تضافر جميع القوى المجتمعية من مؤسسات دينية، وتعليمية، وإعلامية، ومدنية. إذ إن هذه الجريمة لا تُهدد الأفراد فحسب، بل تمتد آثارها لتؤثر على النسيج الاجتماعي بأسره. ومن ثم، فإن الدور المجتمعي في التصدي لهذه الظاهرة ليس فقط واجبًا قانونيًا، بل هو مسؤولية أخلاقية تتطلب منا جميعًا الوقوف صفًا واحدًا للحفاظ على قيم الأمانة والنزاهة في المجتمع.
وفي الختام، هذا المشروع القانوني، إذ يهدف إلى إرساء نظام قانوني يتصدى بفعالية لظاهرة “المستريح”، يحمل في طياته الفلسفة القانونية التي ترى في حماية المال العام والخاص أولوية قصوى. فبموجب هذا المشروع، لا يقتصر دور القانون على ردع المجرمين، بل يشمل حماية المجتمع من مثل هذه الظواهر الضارة التي تهدد أمنه واستقراره الاقتصادي، مما يُسهم في تعزيز قيم العدالة والإنصاف في المجتمع.