التعليم والمستقبل

د. يوسف الديب يكتب….. تجريم الضرب في المدارس ضرورة قانونية لحماية الأجيال القادمة

 

 مقدمة

يُعَدُّ العنفُ المدرسي، وعلى رأسه الضربُ، آفةً مستشريةً تضربُ بجذورها في صميم العملية التربوية، فتقوِّضُ أركانها، وتهدمُ أسسها، وتنسفُ رسالتها النبيلة. إنه سرطانٌ خبيثٌ ينخرُ في جسدِ المنظومة التعليمية، فيحيلُ المدارسَ – التي يُفترضُ أن تكونَ صروحًا للعلمِ ومهادًا للمعرفة – إلى سجونٍ مرعبةٍ تُزرعُ فيها بذورُ الخوفِ، وتُسقى بدموعِ المقهورين، وتُحصَد فيها أرواحُ الصغارِ المهشَّمة تحت وطأة العنفِ والتعسُّف. وعلى الرغم من أنَّ القانونَ قد بسطَ جناحه لحمايةِ الأطفالِ، مُسنِدًا ظهرَه إلى نصوصٍ صريحةٍ تعاقبُ على الاعتداءِ البدني، إلا أن التطبيقَ العمليَّ ظلَّ واهنًا، يتعثَّرُ بين شِباكِ التساهلِ والتراخي، خاصَّةً مع تدخلِ النيابةِ الإداريةِ التي تكتفي بجزاءاتٍ تأديبيةٍ  كتوقيعِ خصوماتٍ ماليةٍ أو النقلِ من مدرسةٍ إلى أخرى، أشبهُ بمن يُعالجُ الداءَ العضالَ بقطراتِ ماءٍ على جمرِ النيران. ومن هنا، صارَ لزامًا – لا خيارًا – أن يُشَرَّعَ قانونٌ صريحٌ، قاطعٌ كحدِّ السيفِ، لا يتركُ موطئَ قدمٍ للمماطلةِ أو التلاعبِ، قانونٌ يجعلُ من الضربِ في المدارسِ جرمًا مُجَرَّمًا لا تسقطُ عنه العقوبةُ بأيِّ حالٍ، ولا يُسمَحُ فيه بالتصالحِ أو التهاونِ. فلا يجوزُ أن تكونَ المدارسُ ميادينَ للبطشِ، ولا أن يُختزلَ التعليمُ في عصا تُهشِّمُ الأجسادَ، بل يجبُ أن تظلَّ مناراتٍ للعلمِ، تُنيرُ العقولَ، وتصقلُ النفوسَ، وتُخرِّجُ أجيالًا متمرِّسةً على الفكرِ، لا مُشوَّهةً بالخوفِ والرعبِ. ولذلك، فإنَّ السبيلَ الأوحدَ لإنقاذِ الأجيالِ القادمةِ من هذه الكارثةِ التربويةِ هو إحالةُ جميعِ قضايا العنفِ المدرسيِّ مباشرةً إلى النيابةِ العامةِ، لتحريكِ الدعوى الجنائيةِ دون أدنى تهاونٍ، ليكونَ العقابُ رادعًا، والقانونُ سيدَ الموقفِ، والعدالةُ سيفًا مسلولًا في وجهِ كلِّ من تُسوِّلُ له نفسُه النيلَ من براءةِ الطفولةِ تحت أيِّ ذريعةٍ أو مبرر

 أولًا حظر ضرب الطفل بنص خاص:

لما كان الطفلُ جوهرةً مصونةً وأمانةً موضوعةً في أعناق المجتمع، فقد رانَ على قلبِ المشرِّعِ المصريِّ همُّ حمايته وصونِ كرامته، فكان أن أقرَّ القانون رقم 126 لسنة 2008 المعدِّل لبعض أحكام قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، مُرسِّخًا بذلك مظلَّةً قانونيةً تُحصِّنُهُ من بطشِ الأيدي الغليظةِ وأهواءِ المتجبرين. وحيث إنَّ الطفولةَ مرحلةٌ تُبنى فيها النفوسُ، فإن أيَّ مساسٍ بجسدِ الطفلِ هو اعتداءٌ صارخٌ على سلامته النفسيةِ والجسديةِ، بل هو انتهاكٌ سافرٌ لحقِّه في العيشِ كريمًا في كنفِ مجتمعٍ راقٍ، لا يُشرعنُ العنفَ تحتَ أيِّ ذريعةٍ. ولما كان المشرِّعُ قد أحكمَ بنيانَ الحمايةِ القانونيةِ، فقد نصَّت المادة 7 مكرر (أ) على أنه مع مراعاة واجبات وحقوق متولي رعاية الطفل وحقه في التأديب المباح شرعًا، يُحظَرُ تعريضُ الطفلِ عمدًا لأيِّ إيذاءٍ بدنيٍّ ضارٍّ أو ممارسةٍ ضارةٍ أو غير مشروعةٍ. وتبعًا لذلك، فإنَّ كلَّ اعتداءٍ بدنيٍّ يقعُ على الطفلِ، سواء أكان داخلَ المؤسساتِ التعليميةِ أم خارجها، يُعدُّ جريمةً موجبةً للعقابِ، لا ينفعُ معها تسويفٌ ولا شفاعةٌ. ولما كان الالتزامُ بالنصوصِ القانونيةِ هو الضامنُ الحقيقيُّ لتحقيق الردعِ العام، فقد خُوِّلت اللجنةُ الفرعيةُ لحمايةِ الطفولةِ صلاحيةَ اتخاذِ الإجراءاتِ القانونيةِ الصارمةِ ضدَّ أيِّ انتهاكٍ يُخالفُ هذا الحظرِ، حتى لا يظلَّ القانونُ حبرًا على ورقٍ، بل يصبحُ درعًا يذودُ عن براءةِ الطفولةِ، ويقطعُ دابرَ المُسيئين. أما وقد رأى المشرِّعُ أنَّ المدرسةَ يجبُ أن تكونَ واحةً تربويةً يُستنبتُ فيها العلمُ والأخلاقُ، فقد أصدرَت وزارةُ التربيةِ والتعليمِ القرارَ الوزاريَّ رقم 287 لسنة 2016، ليضعَ حدًّا فاصلاً بين التربيةِ القويمةِ وبين القسوةِ العمياءِ، حيث نصَّ القرارُ على حظرِ استخدامِ أيِّ وسيلةٍ من وسائلِ العقابِ البدنيِّ ضدَّ الطلابِ داخلَ المؤسساتِ التعليميةِ. ولم يكتفِ المشرِّعُ بالحظرِ، بل ألزمَ الجهاتَ التعليميةَ بالإبلاغِ الفوريِّ عن أيِّ واقعةِ اعتداءٍ، واتباعِ الإجراءاتِ القانونيةِ الصارمةِ دون أيِّ تدخلٍ إداريٍّ يهدفُ إلى التستُّرِ على الجانيِ أو تحويرِ الحقيقةِ. وإذ أرادَ القرارُ أن يجعلَ من القانونِ سيفًا مسلولًا على رقابِ المتجاوزين، فقد شدَّدَ العقوباتِ على أيِّ معلمٍ أو موظفٍ يثبُتُ تورطُهُ في ممارسةِ العنفِ ضدَّ الطلابِ، مُكرِّسًا بذلك مبدأً جوهريًّا مفادُه أنَّ التربيةَ والتعليمَ لا يُمكنُ أن يُبنيا على الإرهابِ الجسديِّ، ولا على ترسيخِ الخوفِ في النفوسِ، بل على دعائمِ الاحترامِ، وسُموِّ المبادئ، وقوَّةِ المعرفة.

 ثانيًا محل الاعتداء في جرائم ضرب الطلاب:

إذ كانت سلامةُ الجسدِ هي الحصنَ الحصينَ الذي تتكاملُ به إنسانيةُ المرءِ وتصانُ به كرامتُهُ، فإنَّ محلَّ الاعتداءِ في جرائمِ ضربِ التلاميذِ والطلابِ في القانونِ الجنائيِّ يتجسَّدُ في الحقِّ المقدَّسِ في سلامةِ الجسدِ، ذلك الحقِّ الذي لا يجوزُ المساسُ بهِ أو الانتقاصُ منهُ تحت أيِّ ذريعةٍ أو مبرِّرٍ. وحيثُ إنَّ هذا الحقَّ يُناطُ بهِ أن يظلَّ الجسدُ محفوظًا في نظامِه الطبيعيِّ، متحررًا من الألمِ والعنفِ، فقد استقرَّ القانونُ على أنَّ سلامةَ الجسدِ تقومُ على ثلاثةِ أركانٍ جوهريةٍ، هي: أولًا: السيرُ الطبيعيُّ لوظائفِ الحياةِ في الجسمِ، بحيثُ لا يتعرضُ الإنسانُ لأيِّ تعطيلٍ أو عرقلةٍ لمهامِّه الفسيولوجيةِ الأساسيةِ، والتي تُعدُّ من مستلزماتِ بقائِه وممارستِه لحياتِه اليوميةِ بصورةٍ طبيعيةٍ. ثانيًا: التكاملُ الجسديُّ، بمعنى أن يظلَّ الجسدُ مصونًا من أيِّ فعلٍ يُلحِقُ بهِ نقصًا أو يُسبِّبُ لهُ خللًا دائمًا أو مؤقتًا، كإحداثِ جرحٍ أو كسرٍ أو ضررٍ يؤثرُ على قدراتِ المجنيِّ عليهِ البدنيةِ أو الحركيةِ. ثالثًا: التحررُ من الآلامِ البدنيةِ، وهو ما يقتضي أن لا يُساقَ الإنسانُ إلى مشقةٍ غيرِ مبرَّرةٍ، أو يُدفَعَ إلى معاناةٍ جسديةٍ بفعلِ الغيرِ، سواءٌ كان ذلك بالأذى المباشرِ كالصَّفعِ والضربِ، أو بالإيذاءِ غيرِ المباشرِ الذي يُفضي إلى آلامٍ جسديةٍ مستمرةٍ. وإذ يتبيَّنُ أنَّ هذهِ الأركانَ تمثلُ جوهرَ الحقِّ في السلامةِ الجسديةِ، فإنَّ أيَّ اعتداءٍ على الطالبِ يُشكِّلُ انتهاكًا لهذا الحقِّ، ويستوجبُ مساءلةً قانونيةً صارمةً، تَحولُ دونَ انتشارِ ظاهرةِ العنفِ في المؤسساتِ التعليميةِ، وتضمنُ للطفلِ بيئةً مدرسيةً آمنةً تُحترمُ فيها إنسانيتهُ وتصانُ كرامتُهُ.

 ثالثًا تعريف الضرب كجريمة:

الضربُ هو صورةٌ من صورِ الاعتداءِ الجسديِّ، ينالُ بها الجاني من كيانِ المجني عليهِ، مسلِبًا إيّاهُ أمنَهُ البدنيَّ وسلامتَهُ الجسديةَ، مستخدمًا في ذلك يديه أو أيَّ أداةٍ أخرى تُضاعِفُ من الأذى الواقعِ على الضحيةِ. وليس الضربُ مجردَ فعلٍ عابرٍ، بل هو طعنةٌ في صميمِ الحقوقِ الأساسيةِ للإنسانِ، إذ يُنزلُ به الألمَ، وقد يُخلِّفُ آثارًا لا تندملُ، تمتدُّ من الكدماتِ والجروحِ وصولًا إلى الإصاباتِ البليغةِ، وربما تفضي في أسوأِ صورِها إلى مفارقةِ الحياةِ نفسها. وفي المؤسساتِ التعليميةِ، تتنوَّعُ مظاهرُ الضربِ التي تُمارَسُ ضدَّ الطلابِ، فتبدأُ من الصَّفْعِ والتوبيخِ البدنيِّ، مرورًا بالضربِ بالعصا أو الأدواتِ الحادةِ، ولا تنتهي عند الحالاتِ الأكثرِ وحشيةً التي تُسَجِّلُ انتهاكًا صارخًا لحقوقِ الطفلِ وكرامتِه. ولما كانَ القانونُ هو الدرعُ الواقي الذي يُحَصِّنُ الإنسانَ من الاعتداءاتِ الجسديةِ، فقد صنَّفَ المشرِّعُ المصريُّ الضربَ ضمنَ جرائمِ الاعتداءِ على سلامةِ الجسدِ، فأحاطَهُ بسياجٍ قانونيٍّ يجرِّمُهُ، ويوقِعُ العقوباتِ الرادعةَ على مرتكِبِه، وذلك وفقًا لأحكامِ **قانون العقوباتِ المصريِّ وقانون الطفل، حيث لا يُقبلُ أيُّ مبرِّرٍ للعنفِ، ولا يُبرِّرُ التأديبُ القسوةَ، إذ إنَّ المدرسةَ دارُ علمٍ وتربيةٍ، لا ساحةُ تعذيبٍ وقهرٍ.

رابعًا أركان جريمة الضرب:

يتحققُ الركنُ الماديُّ في هذه الواقعةِ من خلالِ السلوكِ الإجراميِّ المتمثِّلِ في فعلِ الضربِ، والذي وقعَ بشكلٍ متكرِّرٍ على التلاميذِ والطلابِ، مما يُثبتُ قيامَ الاعتداءِ الجسديِّ بصورةٍ مباشرةٍ باستخدامِ الأيدي أو الأدواتِ المدرسيةِ لإلحاقِ الأذى بهم. السلوكُ الإجراميُّ: يُعدُّ تناوبُ المدرسِ الضربَ على التلاميذِ والطلابِ صورةً من صورِ المساسِ بسلامةِ الجسدِ، حيث استخدمَ القوةَ البدنيةَ غيرَ المشروعةِ، مما أحدثَ ألمًا بدنيًّا ونفسيًّا لضحاياه. النتيجةُ الجُرميةُ: تمثلت النتيجةُ الإجراميةُ في الإصاباتِ التي لحقت بالتلاميذِ والطلابِ، سواءٌ كانت واضحةً في شكلِ كدماتٍ أو جروحٍ أو في صورةِ آلامٍ بدنيةٍ ومعاناةٍ نفسيةٍ مستمرةٍ، وهو ما يُعدُّ انتهاكًا صارخًا لحقِّهم في سلامةِ الجسدِ والتحررِ من الإيذاءِ البدنيِّ. علاقةُ السببيةِ: يرتبطُ الأذى الذي لحقَ بالتلاميذِ والطلابِ مباشرةً بفعلِ المدرسِ، مما يُثبتُ علاقةَ السببيةِ بين فعلِ الاعتداءِ والضررِ الواقعِ عليهم، وهو ما يؤكدُ اكتمالَ الركنِ الماديِّ للجريمةِ. ثانيًا: الركن المعنوي (القصد الجنائي) يتحققُ الركنُ المعنويُّ من خلالِ توافرِ القصدِ الجنائيِّ لدى المدرسِ، حيث يُثبتُ سلوكهُ أنَّه كانَ على علمٍ وإرادةٍ تامةٍ بإيقاعِ الأذى على التلاميذِ والطلابِ. العلمُ: كانَ المدرسُ مُدرِكًا تمامًا أنَّ ضربَهُ المتكررَ للتلاميذِ والطلابِ يُشكِّلُ اعتداءً جسديًا، ومع ذلك استمرَّ في ممارسةِ العنفِ ضدهم. الإرادةُ: لم يكن الضربُ مجردَ تصرفٍ عفويٍّ أو دفاعًا عن النفسِ، بل كانَ إرادةً مقصودةً للإيذاءِ، حيث أصرَّ المدرسُ على ضربِ التلاميذِ والطلابِ بصورةٍ ممنهجةٍ ومستمرةٍ، مما يثبتُ قيامَ القصدِ الجنائيِّ لديه.

 خامسًا العقوبات القانونية على الضرب في المدارس:

يعاقبُ القانونُ المصريُّ على جريمةِ الضربِ وفقًا لدرجةِ الضررِ الناجمِ عنها، حيث وضعَ المشرِّعُ إطارًا قانونيًا صارمًا لضمانِ حمايةِ الأفرادِ، لا سيما الأطفالُ داخلَ المؤسساتِ التعليميةِ، وذلك على النحوِ التالي: – الضربُ البسيطُ (المادة 242 من قانون العقوبات): يُعاقبُ الجانيُ بالحبسِ لمدةٍ تصلُ إلى سنةٍ، أو بغرامةٍ ماليةٍ لا تقلُّ عن عشرةِ جنيهاتٍ ولا تتجاوزُ مائتي جنيهٍ مصريٍّ، وذلك إذا لم يُخلِّفِ الاعتداءُ آثارًا جسديةً دائمةً. – إذا أدى الضربُ إلى مرضٍ أو عجزٍ عن العملِ لمدةٍ تزيدُ على عشرينَ يومًا (المادة 241): يُعاقبُ الفاعلُ بالسجنِ لمدةٍ تصلُ إلى سنتين، حيثُ يُعتبرُ الاعتداءُ هنا أكثرَ جسامةً، لما يترتبُ عليهِ من تعطيلٍ مؤقتٍ للمجني عليهِ عن أداءِ وظائفهِ الطبيعيةِ. – إذا نتجَ عن الضربِ عاهةٌ مستديمةٌ: تُشددُ العقوبةُ لتصلَ إلى السجنِ لمدةِ خمسِ سنواتٍ، نظرًا لما يُشكِّلهُ الفعلُ من ضررٍ دائمٍ يُؤثِّرُ على سلامةِ الجسدِ ويخلُّ بتكاملهِ الطبيعيِّ. – إذا أفضى الضربُ إلى الوفاةِ: تُطبَّقُ أحكامُ الضربِ المُفضي إلى الموتِ، وقد تصلُ العقوبةُ إلى السجنِ المشددِ أو المؤبدِ، لا سيما إذا كانَ المجنيُّ عليهِ طفلًا، حيثُ يُعدُّ ذلك ظرفًا مشددًا للعقوبةِ، يُغلِّظُ الجزاءَ على الجانيِ. وبالإضافةِ إلى الأحكامِ الواردةِ في قانونِ العقوباتِ، فإنَّ قانونَ الطفلِ رقم 12 لسنة 1996 يُضيفُ حمايةً خاصةً للأطفالِ، حيثُ يُجيزُ توقيعَ عقوباتٍ صارمةٍ على أيِّ شخصٍ يُعرِّضُ طفلًا للعنفِ، سواءٌ كان ذلكَ إيذاءً نفسيًا أو جسديًا، كما يُحظرُ بشكلٍ قاطعٍ أيَّ ممارساتٍ تعسفيةٍ ضدَّ الأطفالِ داخلَ المؤسساتِ التعليميةِ، وهو ما يشملُ المعلمينَ والإداريين، الذين يُعتبرونَ مسؤولينَ قانونًا عن أيِّ تجاوزاتٍ تُرتكبُ بحقِّ الطلابِ. وبذلكَ، فإنَّ المشرِّعَ المصريَّ قد أكَّدَ بوضوحٍ على أنَّ أيَّ شكلٍ من أشكالِ الضربِ، سواءٌ كانَ بسيطًا أو مُفضيًا إلى الموتِ، لا يمكنُ التساهلُ معهُ أو التغاضيُ عن تبعاتهِ القانونيةِ، إذ أنَّ حمايةَ الأطفالِ من العنفِ ليست مجردَ التزامٍ قانونيٍّ فحسبُ، بل هي واجبٌ مجتمعيٌّ وإنسانيٌّ لا يقبلُ المساومةَ أو التهاونَ.

النتائج والتوصيات:

من خلال ما استعرضناه، نوصي بعدد من التوصيات التي نأمل أن يأخذها المشرع بعين الاعتبار، تحقيقًا للعدالة، وصونًا لكرامة الطلاب، وحمايةً لمؤسسات التعليم من أن تتحول إلى ساحات للعنف والقهر، بدلًا من أن تكون منارات للعلم والتنشئة القويمة مشروع قانون لتجريم ضرب الطلاب والتلاميذ في المدارس فلسفة القانون وأهدافه: يهدف هذا القانون إلى تحقيق حماية قانونية صارمة للطلاب والتلاميذ من أي شكل من أشكال العنف البدني داخل المؤسسات التعليمية، وذلك من خلال وضع نص قانوني صريح يجرِّم ضرب الطلاب في المدارس، ويُدرج هذا النص في قانون التعليم المصري لضمان إلزامية تنفيذه ضمن إطار القوانين المنظمة للمنظومة التعليمية. ويستند هذا التشريع إلى المبادئ الآتية: تكريس الحق في السلامة الجسدية للطلاب، وجعل أي اعتداء عليهم جريمة لا تُقبل فيها المصالحة أو التنازل. حظر الضرب والتأديب البدني داخل المدارس، باعتبار أن التربية لا يمكن أن تقوم على العنف والقهر، بل على أسس علمية ونفسية سليمة. تغليظ العقوبات على المعلمين والإداريين الذين يسيئون استخدام سلطاتهم، كون الاعتداء البدني على الطلاب يُعتبر استغلالًا للوظيفة التربوية في غير محلها. إلزام الإدارات المدرسية بالإبلاغ الفوري عن أي انتهاك، وتحميلها مسؤولية قانونية في حال التستر على الجناة. ضمان إحالة جميع قضايا الضرب إلى النيابة العامة مباشرة، وعدم الاكتفاء بالعقوبات الإدارية التي تفرغ الردع القانوني من مضمونه. نصوص مشروع القانون المقترح المادة 1: نطاق التجريم يحظر منعًا باتًا استخدام الضرب أو أي وسيلة من وسائل العقاب البدني ضد الطلاب أو التلاميذ داخل المؤسسات التعليمية العامة والخاصة، سواء تم ذلك من قبل المعلمين أو الإداريين أو أي موظف تابع للمؤسسة التعليمية. المادة 2: توصيف الجريمة يُعدّ كل اعتداء بدني يقع من شخصٍ يتولى مسؤولية تعليمية أو إدارية على طالبٍ أو تلميذٍ أثناء اليوم الدراسي أو في أي نشاطٍ مرتبطٍ بالمدرسة، جريمة مُعاقب عليها قانونًا، سواء ترتب عليها ضرر ظاهر أم لم يترتب. المادة 3: العقوبات إذا وقع الضرب دون أن يُحدث إصابة، يعاقب الفاعل بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. إذا أدى الضرب إلى إصابة خفيفة (مثل كدمات أو خدوش) تعيق الطالب عن الدراسة لمدة أقل من 20 يومًا، يُعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه. إذا أدى الضرب إلى عاهة مستديمة أو عجز دائم، يُعاقب الجاني بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن مائة ألف جنيه. إذا تسبب الضرب في وفاة الطالب، يُعد الجاني مسؤولًا عن القتل العمد المرتبط بجناية، وتُطبق عليه عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام. المادة 4: المسؤولية التأديبية للمدارس يُعتبر مدير المدرسة مسؤولًا عن أي واقعة ضرب تحدث داخل مؤسسته التعليمية، وفي حال ثبوت التستر أو عدم الإبلاغ يُعاقب بالعزل من الوظيفة، وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه. تُلزم المدارس بوضع نظام واضح لحماية الطلاب من العنف البدني، ويُعد عدم تنفيذ ذلك مخالفة تستوجب غلق المؤسسة التعليمية أو فرض عقوبات مالية ضخمة. المادة 5: إلزامية الإبلاغ والإحالة للنيابة العامة تلتزم جميع المؤسسات التعليمية بالإبلاغ الفوري عن أي حادثة ضرب يتعرض لها طالب، وذلك بإحالة الواقعة إلى النيابة العامة خلال 24 ساعة من وقوعها. يُعد أي تقاعس في الإبلاغ أو محاولة تسوية الأمر داخليًا جريمة يُعاقب عليها القانون بالسجن لمدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه. المادة 6: الحماية القانونية للطلاب المجني عليهم لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال الضغط على الطلاب المجني عليهم أو أولياء أمورهم للتنازل عن الشكاوى المتعلقة بجرائم الضرب، ويُعد أي فعل من هذا النوع تهديدًا يُعاقب عليه القانون بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات. تُلزم المدارس بإنشاء لجان خاصة لحماية الطلاب من العنف، ويحق للطلاب تقديم شكاوى سرية دون التعرض لأي ضغوط من قبل إدارة المدرسة. أهمية إدراج القانون ضمن قانون التعليم المصري لضمان التنفيذ الفعلي لهذا القانون، يُدرج ضمن قانون التعليم المصري بصفته بابًا جديدًا بعنوان “حماية الطلاب من العنف البدني”، بحيث يصبح جزءًا لا يتجزأ من التشريعات المنظمة للمنظومة التعليمية، ويتم النص عليه كشرطٍ إلزامي في اللوائح التنفيذية لوزارة التربية والتعليم. خاتمة إنَّ هذا التشريعَ يُشكِّلُ خطوةً حاسمةً نحو بناءِ بيئةٍ تعليميةٍ آمنةٍ وصحيةٍ تحترمُ حقوقَ الطلابِ وتُجرِّمُ أيَّ مساسٍ بسلامتهم الجسديةِ، إذ لا يمكنُ أن تُبنى الأجيالُ القادمةُ على أسسٍ من الخوفِ والقمعِ، بل يجبُ أن تقومَ التربيةُ على العدلِ والاحترامِ والقيمِ الإنسانيةِ النبيلةِ. ومن ثمَّ، فإنَّ الحاجةَ إلى سنِّ هذا القانونِ وإدراجهِ ضمنَ قانونِ التعليمِ لم تعد ترفًا تشريعيًا، بل هي ضرورةٌ مُلحةٌ لا تقبلُ التأجيلَ، لضمانِ أن يكونَ التعليمُ في مصرَ مُستنيرًا، لا مُلطَّخًا بظلالِ العنفِ والتعسُّفِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لاستكمال رحلتك في محتوانا لابد من إيقاف حاجب الإعلانات