موسوعة “الإعاقة السيد العربي حسن: دراسة في التاريخ الاجتماعي لقوانين ما قبل الحداثة” – درّة علمية
بقلم: د.يوسف الديب السيد العربي حسن.. الفقيه الذي أعاد كتابة التاريخ القانوني للإعاقة

السيد العربي حسن.. الفقيه الذي أعاد كتابة التاريخ القانوني للإعاقة
ولئن كان البحث في تاريخ الإعاقة رحلةً شاقة، تتطلب عُمقًا في الفكر، ودقةً في التحليل، واستقصاءً متبصّرًا لأحوال المجتمعات عبر العصور، فإن القلائل هم من تَصَدّوا لهذه المهمة بجدارةٍ وإتقان. وفي مقدمة هؤلاء، يبرز معالي الدكتور الفقيه الجليل، أستاذ الأساتذة، السيد العربي حسن، أحد أعلام تاريخ القانون، وصاحب القلم الرصين والفكر الثاقب، الذي أثرى المكتبة القانونية بعملٍ فريدٍ في بابه، موسوعته النفيسة “الإعاقة: دراسة في التاريخ الاجتماعي لقوانين ما قبل الحداثة”
وما هذه الموسوعة إلا تحفة علمية تشهد لصاحبها ببُعد النظر، ورسوخ القدم في مجالات الفقه القانوني والتاريخ الاجتماعي، فهي ليست مجرّد كتاب، بل بحرٌ زاخرٌ بالخفايا، وسِجلٌّ دقيق يوثّق كيف تعاملت المجتمعات – شرقيةً وغربيةً، قديمةً وحديثة – مع قضية الإعاقة وأهلها.
وحيث إن العلم لا يقتصر على المضمون فحسب، بل يمتد إلى طريقة عرضه وإيصال حقائقه، فقد جاءت هذه الموسوعة بأسلوبٍ يخلب الألباب، ويأسر العقول، فلا تكاد تشرع في قراءتها حتى تجد نفسك غارقًا في التفاصيل، مشدودًا إلى السرد التاريخي الماتع، وكأنك تُسافر عبر الزمن لتُعايش الحقب التي يتناولها الكاتب. إن في كل صفحة من صفحاتها براعةً في التحليل، ودقةً في التصوير، ومتانةً في الطرح، بحيث لا يملّ القارئ من الغوص بين سطورها، بل يُعاودها مرارًا لما فيها من دررٍ علميةٍ تُضيء العقول وتُثري الأفهام.
وقد أفاض معالي الاستاذ الدكتور السيد العربي حسن في موسوعته، في دراسة الإعاقة في المجتمعات الشرقية والغربية، وكيف اختلفت النظرة إلى ذوي الإعاقة بين الحضارات، من عالم الفراعنة والإغريق والرومان، إلى أوروبا في العصور الوسطى، ثم إلى المجتمعات الإسلامية التي قدّمت أنموذجًا فريدًا في كفالة حقوقهم ورعايتهم. ولم يكتفِ المؤلف بذلك، بل سلط الضوء على ظاهرة التنمر ضد ذوي الإعاقة، موضحًا جذورها التاريخية، وتجلياتها القانونية، وكيف أن هذا السلوك لم يكن مجرد انحرافٍ فردي، بل ظاهرة اجتماعية استدعت تدخل النظم القانونية عبر العصور.
وإنه لجديرٌ بنا – إنصافًا للعلم وأهله – أن نرفع القبعة لمعالي الاستاذ الدكتور الفقيه السيد العربي حسن، هذا الرمز القانوني الذي لم يكن مجرد باحثٍ أو مؤرخ، بل كان نجمًا ساطعًا في سماء الفقه القانوني، وصرحًا شامخًا من صروح المعرفة. كيف لا، وهو الذي أشرف على تكوين أجيالٍ من الفقهاء، وأثرى الدراسات القانونية بمؤلفاته الرصينة، وتبوأ أرفع المناصب الأكاديمية، فكان عميدًا لكلية الحقوق بجامعة حلوان، ثم عميدًا لحقوق بدر، حيث ظلّ منارةً للعلم، لا ينضب عطاؤها، ولا يخبو وهجها.
وإذا كان لكل عصرٍ أعلامه الذين يُخلّدهم التاريخ، فإن معالي الدكتور السيد العربي حسن هو أحد تلك الأسماء التي لا تُذكر إلا مقرونةً بالإجلال والتقدير، فهو لم يترك إرثًا فكريًا وحسب، بل قدّم نموذجًا للعالم الجاد، والباحث الدقيق، والأستاذ الذي يجمع بين أصالة العلم وحداثة الطرح، وبين دقة التخصص وسعة الأفق.
حفظ الله هذا الفقيه الجليل، وأدام عليه نور العلم والتألق، وبارك في جهوده التي ستظل نبراسًا لكل من أراد التعمّق في دراسة الإعاقة من منظورٍ تاريخي وقانوني واجتماعي.